موضوع: غرداية (قبيلة بني مزاب) الخميس أغسطس 14, 2008 1:59 am
حافظت قرية غرداية الجزائرية المشهورة بوضعها السياحي الشعبي، على طابعها كما كانت منذ ألف سنة على نطاق واسع. فهذه القرية فضلا عن البلدات الأربع الأخرى المحيطة بوادي مزاب، يشكل الموطن لشريحة بني مزاب الفريدة والمتماسكة.
قرية غرداية إنك لا ترى في غرداية (أوتغردايت) أي متسولين أو لصوص. فمجتمع بني مزاب يتسم بالتآزر الشديد حيث يشرف مجلس الأعيان أو الكبار على إدارة شؤون الرعية من تجارة وعلم وشؤون خاصة. بني مزاب شعب يتعلق كثيرا بمظهر اللباس واللغة والمعمار وأسلوب الحياة.
وأينا حللت تجد أثرا لقدم أحدهم في غرداية. ومهما احتلفت حياتهم الاجتماعية، فلا يقطعون أواصر تعلقهم بالجذور ويساهمون بنشاط في حياة الرعية المحلية.
غرداية (أو تغردايت) تأسست على يد المزابيين قبل ألف سنة كمأوى لمجتمعهم بعد سقوط حكم الرستميين. والقرية التي تبعد بحوالي 500 كلم جنوب العاصمة الجزائر تأسست في قلب الصحراء المليئة بالصخور. ومن بين القرى المزابية التي ظلت قائمة إلى يومنا هذا نجد العاطف ومليكة وبنورة و بني إزكان.
بني مزاب قبيلة أمازيغية تحافظ على تقاليدها ومعتقداتها وشعائرها التعبدية وأسلوب حياتها. ويتبعون المذهب الأباضي الإسلامي القديم الذي يختلف شيئا ما عن غالبية الجزائريين الذين يتعبون المذهب المالكي فيما يتعلق بطريقة العبادة والصلاة وهندسة المساجد. ويعرف المزابيون بلباسهم التقليدي وهو ما يعرف بسروال اللوبية (الفضفاض) والشاشية (طاقية الرأس).
بنيت غرداية بنفس أسلوب ومعمار القرى الأربع الأخرى لوادي بني مزاب. المظهر الخارجي يدل على ما فرضته طبيعة المنطقة الصخرية من شكل المساجد في قمة الهضبة والمتاجر المتناثرة في سفحها وسوق محلي كبير حيث يقام المزاد العلني، وممرات المتاهة.
أما المنازل فقد بنيت بشكل يسمح للشمس بالتسرب لكل بيت دون تهميش الجيران. وبالنسبة لهم "الدار التي تدخلها الشمس لا يحتاج أصحابها الطبيب". وتتراص المداخن بشكل يمنع خروج الدخان لبيوت الجيران أبدا.
وتحكم حياة المزابيين قواعد صارمة تطبق على الجميع. فكل السكان بمن فيهم أصحاب الأعمال التجارية خارج البلدة يساهمون في تحقيق الصيانة والرعاية للمجتمع المحلي.
ورجال بني مزاب يتمسكون بالتيار المحافظ فيما يتعلق بحجب نساءهم عن مرآى الناس باعثهم في ذلك الشعور بالغيرة. إذ ترى فتحات سطوح المنازل مبنية بشكل يسمح لكل النساء بمشاهدة الخارجي دون أن يراهم الناس.
الواد هو المنطقة الزراعية الوحيدة في المنطقة ويتم استغلالها لانتاج المحاصيل الأساسية. كما يتم استعمال أشجار النخيل لإقامات الصيف حيث يلجأ إليها العديد من العوائل الباحثين عن ظل الاحتماء من الحر الشديد.
حياة بني مزاب رهينة رياح الواد. فالوادي يعاني من الجفاف ونذرة الأمطار التي تستخدم لقلتها بعناية فائقة. وقاموا باختراع نظام سقي فريد من نوعه يتمثل في مدد انفاق تحت الأرض لنقل ما تعترضه من مياه الأمطار للواحات الزراعية. ويمكّن نظام التوزيع المائي هذا سقي جميع الحدائق بقدر متساو من الماء المحصل. وفضلا عن ذلك، يسمح النظام للقرية من تفادي فيضان الواد.
نظام الحياة هذا ظل قائما منذ ألف سنة من جيل لجيل يحرسه بتفان أمناء الأمة الذين المجتمع المحلي لإدارة شوؤنهم الذاتية.
ويتولى أمر شؤون القرية في المنازعات والخلافات ما يعرف بـ"حلقة العزّابة".
حياة بني مزاب تحكمها قواعد تناقلتها الأجيال أبا عن جد ولقيت الاحترام الكبير من الجميع. فالإنسان المزابي منذ ولادته وهو قرة عين الرعية فيما يتعلق بتعليمه وعمله وزواجه وبناء يبته الذي يحدد من خلال ما يسمى بعملية "التويزة" أو القرعة الاعتباطية لبناء المنازل.
ولا يقتصر نشاط وحركة المزابين على المدن الخمسة المحيطة بالوادي فغالبية المدن الجزائرية تجد فيها متاجر العقاقير مثلا يدرها أحد المتحدرين من القبيلة. فقد أسسوا منطقة صناعية على حافة غرداية حيث تتم صناعة معضم الأدوات.
ونظرا لما يتسمون به المزابيون من شراسة التفاوض تجدهم حاضرين في مجالات أخرى كقطاع المالية خاصة الأبناك والبيع بالجملة.
وحيثما حل المزابيون تجد مساجدهم ومقابرهم وفضاءاتهم الترفيهية والرياضية.
سوق غرداية في الفضاء الطلق
غرداية التي تعتبر إحدى أكثر المواقع السياحية شعبية في الجزائر، تجلب الناس للتمتع بالكثبان الرملية والواحات والمعمار المتميز وخاصة صناعة الحياكة التقليدية والصناعات اليدوية والزرابي المشهورة فضلا عن منتوجات نسيجية أخرى مثل البرنوص وملابس الأطفال التقليدية وعناصر تذكارية.
ومن بين المنتوجات التقليدية الأخرى نجد الملابس الجلدية والنحاس واللوحات الفنية الرملية التي أعطت لوادي مزاب شهرة كأحد أهم المناطق الحرفية أهمية في الجزائر. أحد تجار سوق غرداية قال لمغاربية "منتوجاتنا تستنسخ وتباع كمنتوجات محلية من قبل جيراننا التونسيين للسياح الذين يهرولون لاقتصناها".
إن الشعب المزابي يتسم بالسلام ويتجنب كشف الكثير عن أفراده خاصة للصحافة او السياح. وإن كانوا معفيين من الخدمة العسكرية الإجبارية فقد نهضوا ضد جبهة الإنقاذ الإسلامية عام 1991 لوقف تخريب مجالس بني مزاب المحلية.